للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال أبو عثمان سعيد بن محمد بن الحداد (١٩): «بلغني عن البهلول (٢٠) بن راشد أنه كان يوما جالسا وعنده (٢١) رباح بن يزيد: إذ أقبل «بقية» أخو البهلول من البادية، فجعل يلهج بذكر البادية، وبهلول يتقلى اغتماما برباح، لأنه يعلم أنه لا يحتمل ذكر الدنيا، فلما أكثر من ذلك، نهض رباح، وجعل يقول لبهلول: «سقطت [من عيني] (٢٢)، تذكر الدنيا في مجلسك ولا تنكر ولا تغيّر؟ » فقال له بهلول: «ما أبالي- إذا لم أسقط‍ من عين الله عزّ وجل-من عين من سقطت» فخر رباح على رأس البهلول يقبله وجعل يقول: «نعم [يا حبيبي يا] (٢٣) بهلول، فلا تبالي من عين من سقطت (٢٤) إذا لم تسقط‍ من عين الله عزّ وجلّ».

وقال بعضهم (٢٥): حضرت مع رباح جنازة، والناس في ذلك الوقت في أزمة شديدة وضيق من العيش، فنظرت إلى رباح ووجهه يتهلل يكاد أن يضحك من البشر، فقلت في نفسي: «الناس فيما هم فيه من الكرب وهو مستبشر؟ ».ثم إن الله عزّ وجل كشف ذلك عن المسلمين، وصاروا إلى رخاء من السعر، ورغد من العيش. واجتمعت معه في جنازة أخرى فنظرت إليه كئيبا حزينا يبدو الحزن منه، يكاد من شدة الحزن أن يبكي، فقلت في نفسي: «أين هذه الحالة من الحالة [التي] (٢٦) كنّا (٢٧) [فيها من] (٢٨) الشدة والضيق؟ »، ثم قلت: «والله لأسألنه! ».

فلصقت به وقلت له: «يا أبا يزيد، رأيت منك حالتين، فلم أجد لنفسي بدا أن أسألك عنهما»، فقال لي: «وما هما؟ » فقلت له جميع ما رأيته منه، فقال: «أو فطنت لي؟ » فقلت له: «وكل أمرك قد راعيت» فقال لي: «ويحك! كنا في اليوم


(١٩) الخبر في الطبقات ص ٥٢ (ترجمة البهلول) والمدارك ٩٢: ٣ والمعالم ٢٦٠: ١.
(٢٠) في الأصل: منصور. والمثبت من المصادر.
(٢١) في الأصل: وعند. والمثبت من المصادر.
(٢٢) زيادة من (م) والمصادر.
(٢٣) زيادة من الطبقات والمدارك. وفي (م) والمعالم: أحسنت.
(٢٤) في الأصل: سقط‍.والمثبت من (م) والمصادر.
(٢٥) الخبر في المعالم ٢٥٨: ١.
(٢٦) زيادة من المعالم.
(٢٧) في الأصل والمعالم: كان.
(٢٨) كلمتان أصابهما أثر بلل. استعنّا في قراءتهما بنصّ المعالم.