للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

معه، وكانت المرأة سوت البيت وبخرته وأوقدت المصباح وأغلقت الباب، فلما جئنا ندخل دفعت الباب وأبو خالد خلفي، فلمّا ضربت إليه رائحة البخور وقف، فأقبل شبه المتنهد حتى خلت أن نفسه تتقطع، وأنا أقول له: «ادخل يا أبا خالد» وهو فيما هو فيه من كربه، فقمت فأخذت بضبعه وأدخلته، وهو يقول: «يا أبا عبد الله! يا أبا عبد الله! يا أبا عبد الله! » -كالمستغيث- «إليّ! » ثم بقي مطروحا على الوسادة، وجئت بالمائدة بجهلي وهو يستغيث: «إليّ! »، فلما رأيته لا يمد يده إلى المائدة [] (٢٢)، ثم قام فبادر إلى الباب فخرج. فلما كان بعد أيام لقيت ابنه، فقلت: «يا ابن أخي، كيف أبوك؟ » فقال لي: «يا أبا عبد الله، بات الليل كله يصيح ويبكي، ما تركنا نرقد من بكائه وصياحه».

ابن الحداد (٢٣): حدثني بعض من لقيت ممن أثق به من جيران عبد الخالق، عن رجل من أصحابه يقال له حمدون الخرنق، قال: أقبل إليّ عبد الخالق يوما على بغل، وعليه قفتان من قفاف البقل (٢٤) ومعه لحم بقري ولحم غنمي من كل صنف رطل [أو قال: فيهما جميعا رطل] (٢٥) ومعه خبز نقي فقال: «يا حمدون، إن أمّ حمدون (٢٦) مريضة» -يعني زوجته- «فسر معي حتى تنال [معنا] (٢٧) منه».

وكان سكناه في ذلك الوقت «بالقرن»، فقلت له: «لم أعلم أهلي»، فلم يزل بي حتى أجبته وتوجهت معه إلى «القرن» (٢٨). قال: «فدفع ذلك الخبز واللحم إلى أهله ودخلت معه إلى المسجد، فبصر برجل من أهل البادية عليه أثر البؤس ومعه أطفال وهو يقضم الشعير كما تقضم الدواب، فذهب عبد الخالق إلى زوجته فجعل يقول لها: «يا أم حمدون، يضعف الله أجرك غدا! » وقد كانت عالجت ذلك الطعام، فأقبل به بأسره إلى ذلك الشيخ البدوي وقال له: «شأنك! » ثم نهض


(٢٢) يبدو ان جواب «لما» سقط‍ من النصّ ولم يترك الناسخ بياضا.
(٢٣) الخبر وتمام إسناده في الطبقات ص ٦٤ - ٦٥.
(٢٤) في الأصل بدون اعجام. والضبط‍ للناشر السابق. وفي الطبقات: البغل-ثانيه غين معجمة.
(٢٥) زيادة من الطبقات.
(٢٦) في الأصل: امرأة حمدون. والمثبت من الطبقات ومما سيأتي في نفس الخبر.
(٢٧) زيادة من الطبقات.
(٢٨) تقدم تعريفنا ب‍ «القرن» وتحديد موقعه عند تعليقنا على كلام المؤلف حول غزوات العرب الأولى.