للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) (٧٦). إلى قوله تعالى: (وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٧٦) أثنى عليهم بما فعله بهم وشكره لهم. وقال عزّ وجل: (إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً، وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ) (٧٧) قرءوا القرآن فأسهروا به ليلهم، وصفّروا به ألوانهم، ورهّلوا به أقدامهم، فما ليلهم بليل ولا نهارهم بنهار.

أضنوا بالقرآن أبدانهم، وأسهروا به أعينهم، ولبسوا الأخلاق من الثياب، وأكلوا الكسر من خبز الشعير، وشربوا الماء القراح، [و] توسدوا الأرض. يخيل لهم أن زفير جهنم بين أيديهم وبين حجابهم، هتكوا حجابهم وأرملوا نساءهم وأيتموا أولادهم.

إذا جهنم الليل ارتعدت فرائصهم وهملت أعينهم، وكان أحدهم مثل المرأة التي تطلق (٧٨): مرة قياما ومرة قعودا، آمل ما يكونون (٧٩) أجدّ ما يكونون، أحزن ما يكونون (٧٩)، أشوق ما يكونون (٧٩)، فمنهم من ينادي ليله الطويل: «سيدي، نجني من شر جهنم! » ومنهم من ينادي ليله الطويل: «يا مولاي، العفو، العفو! » ومنهم من ينادي: «إله محمد! الأمان، الأمان! وأن لقّني عند خروج روحي الروح والريحان» ومنهم من ينادي: «إلهي، لا تحرمني النظر إليك، واجعلني في جوارك» فما أقل ما صبروا، وما أعظم ما أخذوا من جزيل عطاء الله الكثير. أما سمعته عزّ وجل يقول:

(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٨٠)؟ فلنعم الجزاء جزاؤهم، أباحهم [مولاهم] (٨١) بحبوحة كرامته [و] أنزلهم مع أخيار خلقه في جنة الخلد وملك الأبد. فاعمل يا هذا لهذا عمل من يخاف الآخرة ويرجو رحمة ربه وجزيل ثوابه، وكن كالثكلى التي لا تجف دموعها لعلك تنجو، وما أراك ناجيا.

عصمنا الله وإياك وغفر لنا ولك وتجاوز عنا وعنك».


(٧٦) سورة الذاريات الآيات ١٥ - ١٨.
(٧٧) سورة الانبياء آية ٩٠.
(٧٨) من الطلق. وهو وجع الولادة (المعجم الوسيط‍: طلق).
(٧٩) في الأصل: ما يكونوا.
(٨٠) سورة السجدة آية ١٧.
(٨١) كلمة مأروضة في الأصل، اجتهد الناشر السابق في سدها بما يناسب السياق.