للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

به، فلم يجبه فيها بشيء. ورجع الرسول من عنده بلا جواب فقال محمد بن عبدوس لسحنون: «اخرج من بلد القوم، لا تساكنهم: أمس ترجع عن الصلاة خلف قاضيهم-يعني ابن أبي الجواد-واليوم لا تجيبهم في مسائلهم؟ » فقال له سحنون:

«أفتجيب إنسانا إنما يريد أن يتفكه، يريد أن يأخذ قولي وقول غيري؟ ولو كان شيئا يقصد به الدين لأجبته».

وقال: «أشقى الناس من باع آخرته بدنياه، وأشقى منه من باع آخرته بدنيا غيره».قال رضي الله تعالى عنه: ففكرت فيمن باع آخرته بدنيا غيره، فوجدته المفتي: يأتيه الرجل قد حنث في امرأته أو رقيقه فيقول له: لا شيء عليك، فيذهب عنه الحانث فيتمتع بزوجته ورقيقه، وقد باع المفتي له دينه بدنيا هذا. فما وجدت بقلبي من باع آخرته بدنيا غيره إلا المفتي».

قال الشيخ أبو محمد بن أبي زيد رحمه الله تعالى: قيل لي: قد قال بعض الناس، ممن حضر هذا الكلام، لسحنون: إن بعض الشعراء قد ضمن هذا المعنى في بيتين:

عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى ... ولمشتري دنياه بالدين أعجب

وأعجب من هذين من باع دينه ... بدنيا سواه، ذاك للحين أقرب

فأمر سحنون من حوله أن يكتبوهما.

وكان سحنون يقول (٨٧): «من فقه الرجل مطعمه ومشربه ومدخله ومخرجه وصحبته لأهل الخير. وليست العبادة بمطأطأة الرأس».

وقيل لسحنون بحضرة أبي سليمان (٨٨): «يا أبا سعيد، كيف يسعك في دينك أن تدع الطلبة وحاجتهم إليك وتخرج إلى البادية فتقيم بها الشهور الكثيرة؟ » فقال: «يا أبا سليمان، تريد أن ترى كتبي في هذا الغدير؟ » -وأشار إلى ماء بين يديه-فقال له أبو سليمان: «وكيف ذلك؟ » قال: «أحتاج إلى دراهم هؤلاء القوم-يريد الملوك-فآخذها، فإذا أخذتها فارموا كتبي في هذا الغدير».


(٨٧) سيتكرر هذا النص والخبر الذي يليه قريبا وسنكتفي بوروده هنا ينظر تعليقنا (رقم ١١٣).
(٨٨) الراجح انه والد احمد بن ابي سليمان الفقيه. وكانت لأبي سليمان هذا رواية. ينظر طبقات ابي العرب ص ١١٧.