للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليها أعمالها (٤٤) على طريق الحزن والخوف. وكان المتعبدون والصالحون إذا سمعوها استراحوا إليها بقلوبهم وانشرحت نفوسهم وانصرفوا منه وهم محزونون نادمون.

ولقد ذكر عن [أبي] محمد بن فطيس (٤٥) المتعبد أنه قال: «كان الذين يحضرون «مسجد السبت» إذا خرجوا منه يرى عليهم أثره إلى السبت الآخر».

حدّث أبو الحسن عليّ بن محمد الأنصاري عن أبيه قال: «حضرت مسجد السبت القديم وكان مبنيا بالطوب، فقال القوالون أشعارا في الزهد، فبكى الناس بكاء عظيما حتى امتلأ المسجد بالبكاء وارتفعت أصواتهم، فقال رجل جالس بجواري: «لقد طاب المسجد اليوم» فقال له رجل كبير السن شيخ: «يا هذا، حال (٤٦) المسجد عما كنا عهدناه قبل هذا الوقت. أعرف أني حضرته يوما فقام ابن السامة (٤٧) فقرأ (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ، اِعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٤٨) فقام شاب من الركن يبكي ويصيح: «الأمان بالله! »؛ فرجع القارئ في الآية من أولها، فقال الشاب: «الأمان بالله! » فرجع القارئ مرة ثالثة فصاح الشاب: «الأمان بالله! » وخرّ ميتا، رحمة الله تعالى عليه.

فهكذا كانت صفة المسجد في الزمان الذي كان يحضر فيه هؤلاء الأفاضل. وأما في هذا الوقت فهو على خلاف ذلك، فلا ينبغي حضوره ولا السعي إليه، ولا يحتج في حضوره بمن حضره ممن قدمنا ذكره لأنهم لو أدركوا هذا الزمان لتركوا حضوره».


(٤٤) اسند الدكتور حسين مؤنس عن المرحوم ح. ح. عبد الوهاب قوله في شرح هذا اللفظ‍: اي يركبون عليها عمل الالحان. وهذا اصطلاح معروف عندنا في إفريقية والمغرب في فن الاغاني الموسيقية والشعرية. (الرياض، الطبعة السابقة ص ٤٠١ هامش ١) هذا بينما شرح مراجعو كتاب الأغاني التونسية للمرحوم الصادق الرزقي ص ٤٠٣ لفظ‍ «العمل» بأنه الذكر فيكون المقصود أنهم يركبون على هذه الاشعار اذكارا وتسابيح.
(٤٥) ابو محمد عبد الله بن فطيس المتعبد ترجم له المالكي في الرياض ضمن وفيات ٣٣٧.وعنها اكملنا اسمه.
(٤٦) في القاموس (حول): كل ما تحول او تغير من الاستواء الى العوج فقد حال واستحال.
(٤٧) كذا في الأصل. ولم نقف على هذا الاسم في المصادر التي بين ايدينا.
(٤٨) سورة فصلت آية ٤٠.