للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الرجل إلى المنستير، ورجعت أنا إلى أبي هارون. فلما وصلت إليه سمع الشيخ أبو هارون كلامي فقال: «ما أعادك؟ أما مضيت؟ » فقلت: «بلى، أصلحك الله، قرب الله عنائي: كان من الأمر كذا وكذا، وذكرت له القصة؛ فعجب رحمه الله تعالى وقال لي: «اعملهما»، فتشمرت وغسلتهما وجعلتهما في طاجن (٥٥) وأدخلتهما الفرن واشتغلت في عملهما إلى نصف النهار. وكانت أيام صيف، وكان الفرن خارج «القصر» فلما أخرجوا الخبز أخرجته فرأيته جاء غاية من الغايات. فأخذته على يدي ودخلت به القصر، فإذا في السقيفة جماعة رجال ونساء من المسافرين دخلوا يقيلون من شدة الحر، فلما دخلت فاحت إليهم رائحته، فصاح بي رجل منهم، فرجعت إليه فقال لي: «يا أخي، هذه المرأة حامل-وأشار بيده إلى امرأة منهم-وقد شمت رائحة هذا الطاجن الذي معك، ويخشى أن تطرح (٥٦). إن رأيت أن تنفضل وتعطيها منها شيئا؟ » قال: فأنزلته عن يدي، وقطعت منه قطعة وغطيته، ومضيت به إلى الشيخ، فلما كشفته بين يديه أعجبه وسر به ثم قال لي: «أرى أثر شيء نزع منه» فأخبرته خبر الحامل/فقال لي: «أعطيتها منه؟ » فقلت له: «نعم» فقال: «الحمد لله، سررتني والله»، ثم قال: «يا أخي، اقض (٥٧) حاجتي وأدخل على قلبي مسرة، واحمله إلى جماعتهم يأكلوه» فقلت له: «لا تفعل، أصلحك [الله] (٥٨). أنا متعوب (٥٩) فيه من غدوة (٦٠) إلى الساعة، ولك مدة تشتهيه، والحامل قد أكلت شهوتها».فقال لي: «لعلهم كلهم قد اشتهوه كما اشتهت الحامل. لا والله ما يطيب لي أكله، هم أولى به ومعهم النساء والأطفال. احمله إليهم» قال: فحملته والله على كره مني، وأتيتهم به وقلت لهم: «قال لكم الشيخ: اجتمعوا وكلوا هذا» ففرحوا به فرحا شديدا، واجتمعوا كلهم وأكلوه، وحملت الطاجن فارغا، فأخبرته بفرحهم وأكلهم إياه


(٥٥) يقول دوزي (ملحق القواميس ٢٧: ٢) انه هو نفسه الذي يدعى باسم طاجين وطجين.
(٥٦) أي تجهض.
(٥٧) في الأصل: قض.
(٥٨) زيادة للسياق.
(٥٩) في الأصل: بدون إعجام. وقرأها ناشر الطبعة السابقة: مبعوث وربما كانت قراءتنا أصوب. وهي لغة في متعب. ينظر اللسان (تعب).
(٦٠) الغدوة.-بالضم-البكرة أو ما بين صلاة الفجر الى طلوع الشمس (القاموس: غدو).