فلما توطأ له الأمر فرض عليهم أخماس ما يملكون وما يتكسبون، وتلا عليهم:" واعْلَموا أَنَّما غَنِمْتُم من شيءٍ فأَنَّ لِلّه خُمُسَةُ الآية "، فقوموا جميع ما يملكونه من ثوب وغيره وأدوا ذلك إليه، فكانت المرأة تخرج خمس ما تغزل، والرجل يخرج خمس ما يكسبه.
فلما تم ذلك فرض عليهم الألفة، وهو أن يجمعوا أموالهم في موضع واحد، وأن يكونوا فيه أسوة واحدة لا يفضل أحد منهم صاحبه وأخاه في ملك يملكه، وتلا عليهم:" واذكروا نِعْمَةَ اللهِ عليكم إِذْ كُنْتُمْ أَعداءً فَأَلَّفَ بين قُلُوبِكم فَأَصْبَحْتُم بنعمته إخْوانا " الآية، وقوله تعالى:" لو أَنْفَقْتَ ما في الأَرضِ جميعاً ما أَلَّفْتَ بَين قُلُوبِهم ولكنَّ اللهَ أَلَّفَ بينهم إِنَّهُ عزيز حكيم ".
وعرفهم أنه لا حاجة بهم إلى أموال تكون معهم، لأن الأرض بأسرها ستكون لهم دون غيرهم، وقال: هذه محنتكم التي امتحنتم بها ليعلم كيف تعملون.
وطالبهم بشراء السلاح وإعداده.
وذلك كله في سنة ست وسبعين ومائتين.
وأقام الدعاة في كل قرية: رجلا مختارا من ثقاتها يجمع عنده أموال أهل قريته من بقر وغنم وحلى ومتاع وغيره، وكان يكسو عاريهم، وينفق على سائرهم ما يكفيهم، ولا يدع فقيرا بينهم ولا محتاجا ولا ضعيفا؛ وأخذ كل رجل منهم بالانكماش في صناعته والكسب بجهده، ليكون له الفضل في رتبته؛ وجمعت المرأة كسبها من مغزلها، والصبي أجرة نظارته للطير، وأتوه به، فلم يتملك أحد منهم إلا سيفه وسلاحه.
فلما استقام له ذلك أمر الدعاة أن يجمعوا النساء ليلةً معروفة، ويختلطن بالرجال، ويتراكبن ولا يتنافرن، فإن ذلك من صحة الود والألفة بينهم.