الذي ذكره الله في شأن موسى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعدوه فرعون إذ يقول: موعدكم يوم الزينة، وأن يحشر الناس ضحى فأجمعوا أمركم، وسيروا إلى الكوفة، فإنه لا دافع لكم عنها، ومنجز وعدي الذي جائتكم به رسلي.
فسروا بذلك، وارتحلوا نحو الكوفة، فنزلوا دونها بستة وثلاثين ميلا قبل يوم عرفة بيوم من سنة ثلاث وتسعين، فخلفوا هناك الخدم والأموال، وأمرهم أن يلحقوا به على ستة أميال من القادسية.
ثم شاور الوجوه من أصحابه في طروق الكوفة أي وقت، فاتفقوا على أن يكمنوا في النجف، فيريحوا الخيل والدواب، ثم يركبوا عمود الصبح فيشنوها غارةً والناس في صلاة العيد.
فركبوا وساروا، ثم نزلوا فناموا، فلم يوقظهم إلا الشمس يوم العيد لطفاً من الله بالناس، فلم يصلوا إلى الكوفة إلا وقد انقضت الصلاة، وانصرف الناس وهم متبددون في ظاهر الكوفة، ولأمير البلد طلائع تتفقد، وكان قد أرجف في البلد بحدوث فتن فأقبلوا ودخلت خيل منهم الكوفة، فوضعوا السيف وقتلوا كثيرا من الناس وأحرقوا، فارتجت الكوفة، وخرج الناس بالسلاح، وتكاثروا عليهم يقذفونهم بالحجارة، فقتلوا منهم عدةً، وأقبل بقيتهم فخرج إليهم إسحق بن عمران في يسير من الجند، وتلاحق به الناس، فاقتتلوا قتالا شديدا في يوم صائف شديد الحر، فانصرف القرامطة مكدودين، فنزلوا على ميلين من الكوفة، ثم ارتحلوا عشاء نحو سوادهم، واجتازوا بالقادسية وقد تأهبوا لحربهم، فانصرفوا عنها، وبعث أمير الكوفة بخبر ذلك إلى بغداد.
وسار القرامطة إلى سواد الكوفة، فاجتمع أحمد بن القاسم بزكرويه بن مهرويه وكان مستترا فقال للعسكر: هذا صاحبكم وسيدكم ووليكم الذي تنتظرونه.
فترجل الجميع وألصقوا خدودهم بالأرض، وضربوا لزكرويه مضربا عظيما، وطافوا به، وسروا سروراً عظيما، واجتمع إليهم أهل دعوته من السواد، فعظم الجيش جدا.