كم ذا يرينا الدّهر من أحداثه ... غيراً وفينا الصّدّ والإعراض
ننسى الممات وليس يجري ذكره ... فينا، فتذكرنا به الأمراض
وكان لأهل العلم عنده نفاق ويرسل إليهم العطايا الكثيرة. بلغه أن أبا محمد ابن الدهان النحوي البغدادي المقيم بالموصل قد شرح بيتاً من شعره وهو:
تجنّب سمعي ما يقول العواذل ... وأصبح لي شغلٌ من الغزو شاغل
فجهز له هدية سنية ليرسلها إليه، فقتل قبل إرسالها. وبلغه أن إنساناً من أعيان الموصل قد أثنى عليه فأرسل إليه كتاباً يشكره ومعه هدية.
وكان وافر العقل رضي النفس، بصيراً بالتجارب عالماً بأيام الناس، بصيرا بالعلوم الأدبية، محبباً إلى الناس لإظهاره الفضل والدين وإنكاره الظلم والفساد. إلا أنه كان من غلاة الإمامية مخالفاً لما عليه مذهب العاضد وأهل الدولة. فلما بايع للعاضد وركب من القصر سمح ضجةً عظيمةً، فقال: ما الخبر؟ فقيل إنهم يفرحون بالخليفة. فقال: كأني بهؤلاء الجهلاء وهم يقولون ما مات الأول حتى استخلف هذا؛ وما علموا أنني كنت من ساعة أستعرضهم استعراض الغنم.
وجرى من بعض الأمراء في مجلس السمر عنده انتقاص بعض السلف، وكان الفقيه عمارة جالساً فقام وخرج معتذراً بحصاة تعتاده، وانقطع في منزله ثلاثة أيام، ورسول الصالح يرد إليه كل يوم بالطبيب، ثم ركب إليه بعد ذلك وهو في بستان مع جلسائه