في خلوة، فاستوحش من غيبته، فأعلمه أن لم يكن به وجع ولكنه كره ما جرى في حق السلف، فإن أمر السلطان فقطع ذلك حضرت وإلا كان في الأرض سعة وفي الملوك كثرة. فعجب الصالح من ذلك. وقال: سألتك بالله ما تعتقد في أبي بكر وعمر؟ فقال: أعتقد أنه لولاهما لم يكن سبق للإسلام حرمة ولا علا له راية، وما من مسلم إلا ومحبتهما واجبة عليه. ثم قرأ:" ومَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيم إِلاَّ من سَفِهَ نَفْسَهُ " فضحك الصالح، وكان هذا من رياضته، فإنه مخالف لمذهبه مخالفة لا يحتملها مثله إلا أنه مرتاضا حصيفاً قد لقي الفقهاء وسمع كلامهم.
وبعث يوماً إلى عمارة ثلاثة أكياس من مال ورقعةً بخطه فيها هذه الأبيات يدعوه فيها إلى مذهبه:
قل للفقيه عمارةٍ: يا خير من ... أضحى يؤلّف خطبةً وكتابا
اسمع نصيحة من دعاك إلى الهدى ... قل حطّةٌ، وادخل إلينا البابا
تلق الأئمّة شافعين، ولا تجد ... إلاّ لدينا سنّة وكتابا
وعلىّ أن يعلو محلّك في الورى ... وإذا شفعت إليّ كنت مجابا
وتعجّل الآلاف، وهي ثلاثة ... صلةً، وحقّك لا تعدّ ثوابا
فأجابه عمارة:
حاشاك من هذا الخطاب خطابا ... يا خير أملاك الزّمان نصابا
لكن إذا ما أفسدت علماؤكم ... معمور معتقدي وصار خرابا
ودعوتم فكري إلى أقوالكم ... من بعد ذاك، أطاعكم وأجابا