الذي تؤثرون به أبا تمام لم ينفعه فقد كان يلحن في شعره لحناً يضيق العذر فيه ولا يجد المتأول له مخرجاً منه إلا بالحيلة والتحمل الشديد.
(صاحب أبي تمام) لسنا ننكر أن يكون صاحبنا قد وهم في بعض شعره وعدل عن الوجه الأوضح في كثير من معانيه: وغير غريب على فكر نتج من المحاسن ما نتج وولد من البدائع ما ولد أن يلحقه الكلال في الأوقات والزلل في الأحيان بل من الواجب لمن أحسن إحسانه أن يسامح في سهوه ويتجاوز له عن خطائه وما رأينا أحداً من شعراء الجاهلية سلم من الطعن ولا من أخذ الرواة عليه الغلط والعيب وكذلك ما أخذته الرواة على المحدثين المتأخرين من الغلط والخطأ واللحن أشهر من أن يحتاج إلى أن نبرهنه أو ندل عليه وما كان أحد من أولئك ولا هؤلاء مجهول الحق ولا مجحود الفضل بل عفا إحسانهم على إسائتهم وتجويدهم على تقصيرهم.
(صاحب البحتري) أما أخذ السهو والغلط على من أخذ عليهم من المتقدمين والمتأخرين ففي البيت الواحد والبيتين والثلاثة أما أبو تمام فلا تكاد تخلو له قصيدة واحدة من عدة أبيات يكون فيها مفسداً أو محيلاً أو عادلاً عن السنن أو مستعيراً استعارة قبيحة أو مخطئاً للمعنى بطلب الطباق والتجنيس أو مبهماً يسوء العبارة والتعقيد حتى لا يفهم ولا يوجد له مخرج.
(صاحب أبي تمام) إنكم تنكرون على أبي تمام من الفضل ما يعترف به البحتري نفسه فقد رثاه بعد موته رثاء اعترف فيه له بالسبق وفضله على شعراء عصره.
(صاحب البحتري) لم لا يفعل البحتري ذلك وقد كان هو وأبو تمام صديقين متحابين وأخوين متاصفيين يجمعهما الطلب والنسب والمكتسب فليس بمنكر ولا غريب أن يشهد أحدهما لصاحبه بالفضل ويصفه بأحسن ما فيه وينحله ما ليس فيه على أن الميت خاصة يعطى في تأيينه من التقريظ والوصف وجميل الذكر أضعاف ما كان يستحقه.