للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول المتكلمون من الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم الذين قالوا: إنما يمكن إثبات الصانع وصدق رسله بهذه الطريق، ويقولون: إنه لا يمكن العلم بحدوث العالم وإثبات الصانع، والعلم بأنه قادر حي عالم، وأنه يجوز أن يرسل الرسل ويصدق الأنبياء بالمعجزات إلا بهذه الطريق ـ كما يذكر ذلك أئمتهم وحذاقهم، حتى متأخروهم كأبي الحسين البصري، وأبي المعالي الجويني، والقاضي أبي يعلي، وغيرهم ـ فإذا علمنا مع ذلك أن الأنبياء لم يدعوا الناس بها لزم ما قلناه من أن الرسول أحال الناس في معرفة الله علي العقل، وإذا علموا ذلك فحينئذ هم في نصوص الأنبياء إما أن يسلكوا مسلك التأويل، ويكون القصد بإنزال المتشابه تكليفهم استخراج طريق التأويلات، وإما أن يسلكوا مسلك التفويض، ويكون المقصود إنزال ألفاظ يتعبدون بتلاوتها وإن لم يفهم أحد معانيها.

ويقول ملاحدة الفلاسفة والباطنية ونحوهم: المقصود خطاب الجمهور بما يتخيلون به أن الرب جسم عظيم، وأن المعاد فيه لذات جسمانية، وإن كان هذا لا حقيقة له، ثم إما أن يقال إن الأنبياء لم يعلموا ذلك، وإما أن يقال: علموه ولم يبينوه بل أظهروا خلاف الحق للمصلحة.

قيل في الجواب: أما من سلك المسلك الأول فجوابه من وجوه:

[الجواب علي المسلك الأول من وجوه. الأول]

الجواب علي المسلك الأول من وجوه.

الأول

أحدهما: أن يقال: فإذا كانت الأدلة السمعية المأخوذة عن الأنبياء دلت علي صحة هذه الطريق وصحة مدلولها، وعلي نفي ما تنفونه من الصفات، فحينئذ تكون الأدلة السمعية المثبتة لذلك عارضت هذه الأدلة، فيكون السمع قد عارضه سمع آخر، وإن كان أحدهما موافقاً لما تذكرونه من العقل.

<<  <  ج: ص:  >  >>