وأما أهل التحريف والتأويل فهم الذين يقولون: إن الأنبياء لم يقصدوا بهذه الأقوال إلا ما هو الحق في نفس الأمر، وإن الحق في نفس الأمر هو ما علمناه بعقولنا، ثم يجتهدون في تأويل هذه الأقوال إلي ما يوافق رأيهم بأنواع التأويلات التي يحتاجون فيها إلي إخراج اللغات عن طريقتها المعروفة، وإلي الاستعانة بغرائب المجازات والاستعارات.
وهم في أكثر ما يتأولونه قد يعلم عقلاؤهم علماً يقيناً أن الأنبياء لم يريدوا بقولهم ما حملوه عليه، وهؤلاء كثيراً ما يجعلون التأويل من باب دفع المعارض، فيقصدون حمل اللفظ علي ما يمكن أن يريده متكلم بلفظه، لا يقصدون طلب مراد المتكلم وتفسير كلامه بما يعرف به مراده، وعلي الوجه الذي به يعرف مراده، فصاحبه كاذب علي من تأول كلامه، ولهذا كان أكثرهم لا يجزمون بالتأويل، بل يقولون: يجوز أن يراد كذا، وغاية ما معهم إمكان احتمال اللفظ.
وأما كون النبي المعين يجوز أن يريد ذلك المعني بذلك اللفظ فغالبه يكون الأمر فيه بالعكس، ويعلم من سياق الكلام وحال المتكلم امتناع إرادته لذلك المعني بذلك الخطاب المعين.