يشتاق الجائع إلى الطعام، والعطشان إلى الشراب، والبردان إلى الثياب، والضاحي في الشمس إلى الظلال.
ثم إنكم مع هذا لم تذكروا على ذلك دليلاً صحيحاً، ولكن نحن نخاطبكم بما أقررتم به.
فيقال: إذا كان بهذه المثابة، لم يكن علة للعالم، ولا مبدأ له، ولا فاعلاً له، ولا مؤثراً فيه أثراً، فبطل قولكم: إنه علة العلل، وإنه المبدأ الأول.
قولكم: إنه علة طبيعية للعالم ومتممة له.
غاية ما في الباب أن العالم يكون محتاجاً إليه، من كونه مشتاقاً إليه، والشيء المشتاق إليه لا يجب أن يكون هو المبدع المشتاق ولا الفاعل له، ولا يكون مؤثراً فيه، كما اعترفتم به، وكما هو معلوم لكل عاقل.
فإن كون الشيء علة غائية، لا يستلزم أن يكون على فاعلية، لا سيما وإنما هو علية من جهة أن الفلك يحب التشبه به، فهذا مع ما فيه من جحد وجود واجب الوجود المبدع للعالم، فيه من تناقض قولكم ما قد تبين.
وسنبين إن شاء الله فرقهم بين العلة الأولى وبين العالم القديم بأنه جسم، وأن الجسم لا تكون فيه قوة غير متناهية، وما ذكروه في ذلك.
[الوجه الثاني]
أن يقال: هذا القول الذي قلتموه يبطل حجتكم على قدم العالم أيضاً، فإنه إذا لم يكن مؤثراً في العالم وعلة له، ومبدأ ومحركاً له، إلا من جهة كونه محبوباً شائقاً معشوقاً، أمكن تأخر وجود العالم عن وجوده، فإن الشيء المشتاق إليه قد يتأخر عنه ما يشتاقه، والشيء