إما أن العلم بالعلة التامة لا يستلزم العلم بالمعلول، وإلا فلا يكون عالماً علماً تاماً بالعلة التامة.
وكلا المقدمتين يسلمون صحتها، فكيف يجوز أن يسلم هاتين المقدمتين، اللتين يقوم عليهما البرهان اليقيني، من ينازع في نتيجتهما اللازمة عنهما بالضرورة؟! وهل هذا إلا جهل بموجب البرهان القياسي في ذلك الذي هم دائماً يقررونه مادة وصورة؟!.
[الوجه الرابع]
أنهم يقولون: إن جميع الحوادث مستندة إلى حركة النفس الفلكية.
ويقولون: إن النفس الفلكية تعلم جزيئات حركات الفلك.
بل ادعى ابن سينا ومن اتبعه أنها تعلم جميع الحوادث لعلمها بأسبابها، لأن سببها هو الحركة الفلكية، والنفس الفلكية تعلم ذلك، فتعلم المعلولات المسببة عنها.
وزعموا أن هذه النفس هي اللوح المحفوظ، التي أخبرت به الأنبياء، وأن المكاشفات التي تحصل في النوم واليقظة للأنبياء وغيرهم، هي لاتصال نفوسهم بهذه النفس الفلكية.
وأبو حامد ذكر هذا المعنى موافقة لهم في طائفة من كتبه، واتبعه على ذلك طائفة من المتصوفة، وصاروا يدعون الأخذ من اللوح المحفوظ.
ومنهم من يعرف مرادهم باللوح المحفوظ، ومنهم من لا يعرف ذلك، كما وقع ذلك في كلام غير واحد من متأخري الصوفية أتباع أبي حامد والمتفلسفة.
هذا مع أن حركة الفلك ليست هي العلة التامة في حدوث الحوادث، بل يفيض من العقل الفعال ما يفيض من الصور، عند استعداد القوابل بحسب الحركة الفلكية.
فهل ما يقوله هؤلاء في علم الرب وعلم النفس الفلكية التي ادعوا أنها اللوح المحفوظ إلا من أعظم الأقوال