للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والقول الذي يجمع لنا موافقة العقل والنقل خير من أن نوافقكم على قدم الأفلاك ونفي صفات الله تعالى، فإن في هذا من الكفر المخالف للشرع، والفساد المخالف للعقل ما يتبين لمن نظر فيه، لا سيما والفلاسفة لا يمنعون قيام الحوادث والصفات بالقديم الأزلي، ولا كون الجسم قديماً أزلياً، بل يوجبون ذلك كله، ولا دليل لهم على قدم جسم معين كالأفلاك ونحوها.

[الوجه الثالث]

أن يقال للفلاسفة: ما ذكرتموه من الأدلة العقلية الموجبة لدوام فاعلية الرب ودوام الحدوث يدل على نقيض قولكم لا على وفقه.

فإن هذا يقتضى أن واجب الوجود لم يزل يفعل ويحدث الحوادث، وأنتم على قولكم يلزم ألا يكون أحدث شيئاً من الحوادث، وذلك لأن الموجب لهذه الحوادث المتعاقبة، إما أن يكون ثابتاً في الأزل أو لا.

فإن كان الأول لزم وجود كل من الحوادث في الأزل، وهو محال، لأن الموجب التام لا يتخلف عنه موجبه ومقتضاه.

وهم يقولون: إن واجب الوجود علة تامة لا يتخلف عنه شيء من معلوله، فإذا كانت هذه الحوادث المتعاقبة معلولة بوسط أو بغير وسط لزم مقارنتها له، لأن العلة التامة يقارنها معلولها، لا يتخلف عنها، وإذا امتنع أن يتخلف عنها معلولها، فما تأخر عنها فليس معلولاً لها، فيلزم أنه لم يحدث شيئاً من الحوادث: لا بوسط ولا بغير وسط.

وقولهم بتسلسل الحوادث لا ينفعهم، والحال هذه، إذا جعلوه علة تامة مستلزمة لمعلولها، لأن التقدير على قولهم: إنه ليس له فعل قائم بذاته متجدد أصلاً: لا خلق ولا استواء ولا غير ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>