وجودي وأمر عدمي، وقد يعني بالمكان أمر وجودي، وبالحيز أمر عدمي.
ومعلوم أن هؤلاء المثبتين للعلو يقولون: إنه فوق سماواته، وعلى عرشه، بائن من خلقه، وإذا قالوا: إنه بائن من جميع المخلوقات، فكل ما يقدر موجوداً من الأمكنة والأحياز فهو من جملة الموجودات، فإذا كان بائناً عنها لم يكن داخلاً فيها، فلا يكون داخلاً في شيء من الأمكنة والأحياز الوجودية على هذا التقدير، ولا يلزم قدم شيء من ذلك على هذا التقدير.
وإذا قالوا: إنه فوق العرش، لم يقولوا: إن العرش كان موجوداً معه في الأزل، بل العرش خلق بعد أن لم يكن، وليس هو داخلاً في العرش، ولا هو مفتقر إلى العرش، بل هو الحامل بقوته للعرش ولحملة العرش، فكيف يلزم على هذا أن يكون معه في الأزل؟ بل كيف يلزم على هذا أن يكون داخلاً في العرش أو مفتقراً إليه، وإنما يلزم ما ذكره من لا بد له من شيء مخلوق يحتوي عليه، وهذا ليس قول من يقول: إنه بائن عن جميع المخلوقات.
[الوجه الخامس]
أن يقال: قوله (الباري عند الخصم يمتنع كونه لا في حيز) لفظ مجمل، فإن قال: إنه مفتقر عنده إلى حيز وجودي، فهذا لم يقله الخصم ولا يعرف أحداً قاله، وإن قاله من لا يعرف لم يلتفت إليه، ولا ريب عند المسلمين أن الله تعالى غني عن كل ما سواه، فكيف يقال: إنه مفتقر إلى حيز عدمي، فالعدم ليس بشيء حتى يقال: إن الرب مفتقر إليه، أو ليس بمفتقر إليه.