وإن كان القديم يمكن أن يكون له إرادة وشوق، أمكن أن يكون الأول له إرادة وشوق مع قدمه، وأن يكون صانعاً للعالم صنعاً إرادياً، وهذا أيضاً يبطل قولكم.
[الوجه الخامس]
أن يقال: القديم: إما أن يجوز أن يكون له إرادة، وإما ألا يجوز.
فإن لم يجز، امتنع كون العالم قديماً مريداً.
وحينئذ فلا يبقى لكم حجة على إثبات المبدأ الأول، فإنكم إنما أثبتموه بأنه، معشوق للعالم المتحرك بالإرادة مع قدم العالم.
فإذا امتنع كون القديم مريداً، لم يلزم أن يكون هناك معشوق قديم، فلا يبقى دليل على ثبوته.
وإن جاز أن يكون القديم مريداً، جاز كون الأول مريداً، وبطل قولكم: إنه لا صنع إرادي للعلة الأولى.
فأنتم بين أمرين: إما سلب الإرادة عن العالم القديم، وإما إثباتها للأول القديم.
وأيهما قلتم بطل قولكم ببطل قولكم، وسنتكم إن شاء الله على فرقهم.
[الوجه السادس]
بل يقال في الوجه السادس: إنكم لو أثبتم الإرادة للأول القديم، وسلبتموها عن الفلك، كما يقول ذلك من يقوله من أهل الملل، كان أقرب إلى المعقول من إثباتها للفلك، ونفيها عن العلة الأولى، فإن صريح العقل يعلم أن العلة والمبدأ الأول أولى أن يكون مريداً من المعلول الثاني، فإن الفعل إن لم يستلزم إرادة، لم تستلزم حركة الفلك إرادة، وإن استلزم إرادة، فالعلة الفاعلة أولى بالإرادة من المعلول المفعول.
ألا ترى أن المعلولات قد تكون جامدة، كالعناصر والنباتات التي لا إرادة لها؟.