أن يقال: ما هو النقص الذي نزهتموه عنه؟ فإن النقص لا يعقل إلا عدم كمال، أو وجود مناف لكمال.
فعدم العلم والحياة والقدرة يسمى نقصاً، ووجود الصم والبكم والخرس المنافي لهذه الصفات يسمى نقصاً، ثم ما كان قابلاً للاتصاف بصفات الكمال، أكمل ممن لا يقبلها.
فإذا كان عندكم لا متصفاً بها ولا قابلاً للاتصاف بها، كان هذا غاية ما يعقل من النقص، فما النقص الذي نزهتموه عنه؟
فإن قالوا: نزهنا عن طلب تمامه من خارج، فإن كون تمامه لا يحصل إلا بسبب من خارج نقص.
فيقال لهم: هذا باطل من وجوه:
أحدها: أن هذا إن كان نقصاً، فما وصفتموه به من النقائص أعظم من هذا وأكثر.
الثاني: أن يقال: فكون تمامه ممكناً وهو طالب له، أكمل من كونه لا يقبل التمام ولا يطلبه.
الثالث: ولم قلتم: إن هذا نقص؟ فإن النقص إنما يكون نقصاً إذا عدم ما ينبغي وجوده أو ما يمكن وجوده، فإذا قدر أمر لا يمكن وجوده في الأزل، أو لا يصلح وجوده في الأزل، فلم قلتم: إن عدم هذا نقص؟
الرابع: أن يقال: ظنكم أن تمامه يحتاج إلى سبب منفصل غلط، كما قد بسط في موضع آخر، فليس هو محتاجاً في شيء من أفعاله، فضلاً عن صفاته وذاته، إلى سبب خارج عنه.