للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا التناقض من جنس قولكم إنه قادر في الأزل مع امتناع المقدور في الأزل، وقلتم: إذا كان قابلاً للحوادث في الأزل لزم إمكان وجود الحوادث في الأزل، فأي فرق بين إمكان القبول، وإمكان المقدور، وإمكان المفعول؟ وما تقدم الشيء على غيره وكونه مثل هذا قبل زمن هذا، ولكن لا يلزم إذا لم يكن المتأخر مع المتقدم ألا يكون المقبول المقدور والأثر ممكناً مع وجود التأثير والقدرة والقبول، حتى يقال: إنه خالق مع امتناع المخلوق، وقادر مع امتناع المقدور، وقابل مع امتناع المقبول.

وأيضاً فإن هذا الجواب بمنزلة جواب من يقول: إن الحوادث توجد بإرادة قديمة، والمنازعون لهم ألزموهم بأن هذا ترجيح بلا مرجح، كما تقدم.

فهؤلاء يعترضون على جواب الأرموي، وهؤلاء يعترضون عليه بأنه عند وجود الأثر الحادث: إما أن يتجدد تمام التأثير، وإما أن لا يتجدد شيء لزم التسلسل كما تقدم، وإن لم يتجدد لزم حدوث الحادث بدون سبب حادث، وقد تقدم إبطاله بأن المؤثر التام لا يتخلف عنه أثره.

وكان الأرموي يمكنه أن يجيب ـ على أصله ـ بأن حدوث الأجسام موقوف على حدوث التصورات المتعاقبة في العقل أو النفس، كما أجاب به عن الحجة الأولي.

[المقصود مما تقدم]

قلت: المقصود هنا أن يعرف نهاية ما ذكره هؤلاء في جواب الدهرية عن المعضلة الزباء والداهية الدهاء، وما يخفي على العاقل الفاضل ما في هذه الأجوبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>