ولم يقل أحد من المسلمين: إن الله لا يعلم المخلوقات، حتى تحل في ذاته، أو يحل في ذاته ما هو مماثل في الحقيقة لهذه المخلوقات.
فإن كان في سلفه الملاحدة من قال نحو هذا، فدونه وإياه.
وأما سلفنا المسلمون فلم يقل أحد منهم شيئاً من هذا.
وإن أراد بقوله: من غير أن تكون حالة فيه من غير أن يقوم به علم بها، بل يكون حال ذاته مع العلم بها، كحالها إذا قدر عدم العلم بها، فهذا باطل معلوم الفساد بالضرورة، وإذا أثبت علماً بجميع المخلوقات، يتصف به الرب، غير المخلوقات المعلومة، حصل المقصود في هذا المقام، ويبقى المقام في تفصيل ذلك له مقام آخر.
[الوجه الثالث عشر]
قوله: وإذ تقدم هذا، فأقول: قد علمت أن الأول عاقل لذاته، من غير تغاير بين ذاته، وبين عقله لذاته في الوجود، لا في اعتبار المعتبرين على ما مر، وحكمت بأن عقله لذاته علة لعقله المعلول الأول.
فإذا حكمت بكون العلتين: أعني ذاته، وعقله لذاته، شيئاً واحداً في الوجود من غير تغاير، فاحكم بكون المعلولين أيضاً: أعني المعلول الأول وعقل الأول له، شيئاً واحداً في الوجود من غير تغاير يقتضي كون أحدهما مبايناً للأول، والثاني متقرراً فيه.
وكما حكمت بكون التغاير في العلتين اعتباراً محضاً، فاحكم بكونه في المعلولين كذلك.