والمقصود هنا أن ننبه المسلم على أن العقل الصريح كلما أمعن في تحقيقه لا يكون إلا موافقاً للشرع الذي جاءت به الرسل، حتى تتبين لك صحة ما جاء به بالأدلة العقلية، التي لا يحتاج فيها إلى خبر مخبر ولو كان معصوماً، لكن تتعاضد الأدلة السمعية والعقلية، الخبرية والنظرية.
كما قال تعالى:{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد}[فصلت: ٥٣] .
ولكن الناس متفاوتون في هذا بحسب ما يؤتيهم الله من العقل والمعرفة، والنظر والاستدلال والتمييز، فكل من كان أكمل في معرفة الصواب من هذا، كان أكمل في معرفة الموافقة والمطابقة.
وهذا أمر يخبر به من خبره، فقد يكون الرجل قبل أن يستيقن ما جاءت به السنة عنده شبهة ووهم، لظنه أنه قد عارضها ما يعارضها به المعارض: إما من عقلياته، وإما من ذوقياته، وإما من سياساته، فإذا هداه الله وأرشده تبين له في آخر الأمر أن ما وافق الشرع هو المعقول الصريح، وهو الذوق الصحيح، وهو السياسة الكاملة، وأن ما خالف ذلك هو من أمور أهل الجهل والظلم.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل:{ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}[يونس: ٢٥] .
[الوجه العاشر]
أنه ما من قول موافق للسنة إلا وتجد العقلاء الذين يقرون به أكثر وأعظم من العقلاء الذين ينكرونه، بل تجد الموافقين له