موجوداً وتارة معدوماً، فإنه إذا كان في الأزل وحده، لم يكن معه شيء موجود، فضلاً عن أن يكون في شيء موجود.
ثم لما خلق العالم: فإما أن يكون مداخلاً للعالم، وإما أن يكون مبايناً له، وإذا امتنع أن يكون هو نفسه داخل العالم، أو دخل العالم فيه، وجب أن يكون مبايناً له، وإذا كان مبايناً للعالم، أمكن أن يكون فوق العالم، ويكون ما يسمى حينئذ مكاناً أمراً وجودياً، ولا يلزم أن يكون ملازماً له، فلا يلزم قدم المخلوقات، ولا افتقاره إلى شيء منها، بل كان مستغنياً عنها، وما زال مستغنياً عنها وإن كان عالياً عليها، فعلوه على العرش وعلى غيره من المخلوقات لا يوجب افتقاره إليه، فإن السماء عالية على الأرض وليست مفتقرة إليها، والهواء عال على الأرض وليس مفتقراً إليها، وكذلك الملائكة عالون على الأرض وليسوا مفتقرين إليها، فإذا كان المخلوق العالي لا يجب أن يكون مفتقراً إلى السافل، فالعلي الأعلى، الخالق لكل شيء والغني عن كل شيء، أولى أن لا يكون مفتقراً إلى المخلوقات مع علوه عليها.
[الوجه الثاني]
أن قول القائل:(إنه في كل مكان) لفظ فيه إجمال وتلبيس.
والمثبتون لعلو الله على خلقه لا يحتاجون أن يطلقوا القول بأنه في مكان، بل منهم كثير لا يطلقون ذلك، بل يمنعون منه، لما فيه من الإجمال.
فإذا قال قائل: إنه لو كان في مكان، لم يخل: إما أن يكون المكان موجوداً، أو معدوماً.
قيل له: إذا قيل: إن الشيء في مكان، وفسر المكان بأنه معدوم،