للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجوب معلولة لعلة أخرى وهلم جراً، ولم يكن على هذا التقدير معنا ما يدل على امتناع هذا التسلسل، لأن مضمونه إثبات أمور واجبتة ضرورة كل منها له علة، والجملة كلها واجبة ضرورة، مع كونها وكون كل منها معلولاً، وهو الممكن بهذا الاصطلاح المتأخر، إذا الممكن عندهم يكون ضرورياً واجب الوجود ممتنع العدم - مع كونه معلولاً لغيره.

فلا يمتنع على هذا التقدير وجود علل ومعلولات كل منها واجب ضروري، ويسمى ممكناً باعتبار أنه معلول، وإن كان ضرورياً واجب الوجود، لا باعتبار أنه محدث مفتقر إلى فاعل.

[كلام ابن رشد ردا على الغزالي وتعليق ابن تيمية]

وحقيقة الأمر أنهم قدروا أموراً متسلسلة، كل منها واجب الوجود ضروري يمتنع عدمه، وكل منها معلول، وسموه باعتبار ذلك ممكناً، وقالوا: إنه يقبل الوجود والعدم.

وحينئذ فلا يمكنهم إثبات افتقار واحد منها إلى علة، فضلاً عن افتقارها كلها، لأن التقدير أنها جميعها ضرورية الوجود لا تقبل العدم، ومثل هذا يعقل افتقاره إلى فاعل، ويعود الأمر إلى الممكن الذي أثبتوه، وهو الضروري الواجب الوجود القديم الأزلي: هل يفتقر إلى فاعل ومرجح يرجح وجوده على عدمه؟

وقد عرف أنه ليس لهم على ذلك دليل، بل جميع العقلاء يقولون: إن هذا لا يفتقر إلى فاعل.

ولهذا لما بنوا إثبات واجب الوجود على إثبات هذا الممكن - كما فعله ابن سينا والرازي والآمدي وغيرهم - لم يمكنهم إقامة دليل على أن هذا الممكن - بهذا التفسير - يفتقر إلى فاعل، وورد على هذا الممكن من الأسولة ما لم يمكنهم الجواب عنه، كما قد ذكر بعض ذلك في غير هذا الموضع.

<<  <  ج: ص:  >  >>