العلم بالسمع، والمعارض للسمع مناقض له مناف له.
فهل يقول عاقل: إنه يلزم من ثبوت ملازم الشيء ثبوت مناقضه ومعارضه!؟
ولكن صاحب هذا القول جعل العقليات كلها نوعاً واحداً متماثلاً في الصحة أو الفساد، ومعلوم أن السمع إنما يستلزم صحة بعضها الملازم له، لا صحة البعض المنافي له، والناس متفقون علي أن ما يسمى عقليات منه حق، ومنه باطل، وما كان شرطاً في العلم بالسمع وموجباً فهو لازم للعلم به، بخلاف المنافي المناقض له، فإنه يمتنع أن يكون هو بعينه شرطاً في صحته ملازماً لثبوته، فإن الملازم لا يكون مناقضاً، فثبت أنه لا يلزم من تقديم السمع علي ما يقال إنه معقول في الجملة القدح في أصله.
فقد تبين بهذه الوجوه الثلاثة فساد المقدمات الثلاث التي بنوا عليها تقديم آرائهم علي كلام الله ورسوله.
[اعتراض: نحن نقدم علي السمع المعقولات التي علمنا بها صحة السمع. الرد عليهم من وجوه. الأول]
اعتراض: نحن نقدم علي السمع المعقولات التي علمنا بها صحة السمع.
الرد عليهم من وجوه.
الأول
فإن قيل: نحن إنما تقدم علي السمع المعقولات التي علمنا بها صحة السمع.
قيل: سنبين إن شاء الله أنه ليس فيما يعارض السمع شيء من المعقولات التي يتوقف السمع عليها، فإذن كل ما عارض السمع ـ مما يسمي معقولاً ـ ليس أصلاً للسمع، يتوقف العلم بصحة السمع عليه، فلا يكون القدح في شيء من المعقولات قدحاً في أصل السمع.
[الثاني]
الوجه الثاني: أن جمهور الخلق يعترفون بأن المعرفة بالصانع وصدق الرسول ليس متوقفاً علي ما يدعيه بعضهم من العقليات المخالفة للسمع، والواضعون لهذا القانون ـ كـ أبي حامد والرازي وغيرهما ـ معترفون بأن العلم بصدق الرسول