وإذا أمكن حصول موجب الفطرة بدون مخاطب منفصل، علم أن في الفطرة قوة تقتضي ذلك، وأن ذلك ليس موقوفاً على مخاطب منفصل، لكن قد يكون لذلك المقتضى معارض مانع، وهذا هو الفطرة.
وهذا الدليل يقتضي أنه لا بد في الفطر ما يكون مستغنياً عن مخاطب منفصل في حصول موجب الفطرة، لكن لا يقتضي أن كل واحد كذلك، لكن إذا عرف أن ما جاز على أحد الإنسانين يجوز على الآخر لتماثلهما في النوع، أمكن ذلك في حق كل شخص، وهو المطلوب.
[الوجه الثاني]
أن يقال: إذا ثبت أن نفس الفطرة مقتضية لمعرفته ومحبته، حصل المقصود بذلك، وإن لم تكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك، بل يحتاج كثير منهم في حصول ذلك إلى سبب معين للفطرة: كالتعليم والتخصيص.
فإن الله قد بعث الرسل، وأنزل الكتب، ودعوا الناس إلى موجب الفطرة: من معرفة الله وتوحيده، فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة، وإلا استجابت لله ورسله، لما فيها من المقتضى لذلك.
ومعلوم أن قوله: كل مولود يولد على الفطرة، ليس المراد به أنه حين ولدته أمه يكون عارفاً بالله موحداً له، بحيث يعقل ذلك.