لكن فساد أقوالهم يظهر من وجه آخر، من غير التزام صحة قول الإلهيين بل قول كلا الطائفتين باطل متناقض، يعلم بطلانه وتناقضه بصريح العقل.
وإن قال هؤلاء الإلهيون: إن العالم ممكن الوجود بنفسه، فلا بد أن يكون هناك واجب، هو علة فاعلة له، لا يكفي في وجوده ما هو مشتاق إليه، فإن ما لا وجود له من نفسه، ليس له من نفسه لا صفة ولا شوق ولا حركة ولا شيء من الأشياء، فلا بد لكم من إثبات مبدع للممكن، قبل إثبات شوقه إلى غيره، ثم يبقى النظر بعد ذلك في قدمه وحدوثه نظراً ثانياً.
[الوجه الرابع]
أن يقال: قولهم أولاً: إن قوماً يرون أنه يجب من هذا، أي من وجوب وجود العالم مع العلة الأولى، ألا يكون صنع إرادي للعلة الأولى في وجود العالم، كما لا صنع لها في وجود جوهرها، إذا كان وجود العالم غير ممكن تأخره عن وجود العلة الأولى.... إلى آخره.
فيقال لكم: إرادة العلة الأولى إما أن يستلزم تأخر فعلها للعالم أو يجوز مع ذلك تقدم فعلها للعالم، فإن كانت الإرادة تستلزم تأخر المراد، لزم تأخر العالم المشتاق صاحب الإرادة والشوق، فإن العالم عندكم قديم له إرادة وشوق قديم، فإن كان القديم لا يكون له شوق وإرادة بطل قولكم بقدم العالم، مع القول بشوقه.