قلت: وقد تكلمنا على ما في هذا الكلام من حق وباطل في غير هذا الموضوع، والمقصود هنا انه جعل من الأمور التي يحتاج إليها العارف ما يجذب فوى التخيل والوهم إلى التوهمات المناسبة للأمر القدسي من العبادة وسماع الألحان وسماع الوعظ، فإن كان الأمر القدسي أمراً معقولاً مجرداً، لا داخل العالم ولا خارجه، وقوى الوهم والتخيل لا تناسب إلا الأمور الحسية دون العقلية المجردة، كان هذا من الكلام الذي يناقض بعضه بعضاً.
بل كان الواجب على العارف أن يعرض عما يحكم به الوهم والخيال، لينال معرفة الأمر القدسي المعقول المجرد، الذي يناقض حكم الوهم، والخيال لا يناسبه.
ولكن ما ذكره في مقدمات العارفين هو الأمر الفطري، فإن القلوب الطالبة لله إذا تحركت بما يصرف إرادتها إلى العلو، ويصرف إرادتها عن السفل، كان هذا مناسباً لمطلوبها ومرادها ومحبوبها ومعبودها، فإن الله الذي هو العلي الأعلى، هو المعبود المحبوب المراد المطلوب، فإذا حركت النفس بما يصرف قواها إلى أرادته، انصرفت قواها إلى العلو، وأعرضت عن السفل.
والذي يبين هذا أن هذه القوة الوهمية، وفعلها الذي هو الوهم، لا يريدون به أن يتوهم في الشيء ما ليس فيه، وهو الوهم الكاذب.