والمقصود هنا أنا إذا حكمنا بعقولنا حكماً كلياً يعم الموجودات، أو يعم المعلومات، مثل قولنا: إن الموجود: إما واجب وإما ممكن، وإما قديم وإما محدث، وإما قائم بنفسه، وإما قائم بغيره، وإما مشار إليه، وإما قائم بالمشار إليه، وكل موجودين: فأحدهما إما متقدم على الآخر وإما مقارن له، وإما مباين له وإما محايث له، وقلنا: إن الصانع: إما أن يكون متقدماً على العالم أو مقارناً له، وإما أن يكون خارجاً عنه أو داخلاً فيه - كان علمنا بهذه القضايا الكلية العامة بتوسط ما علمناه من الموجودات.
فإذا كنا نعلم أن المعلوم: أما أن يكون موجوداً، وإما أن يكون معدوماً، فادعى مدع أن الواجب لا يقال: إنه موجود لا معدوم، أو ليس بموجود ولا معدوم - كما يقول ذلك من يقوله من القرامطة الباطنية - كنا، وإن لم نشهد الغائب، نعلم أن هذا الخير العام والقضية الكلية تتناول غيره.
وإذا قلنا لهذا: هل يمكنك إثبات شيء في الشاهد ليس بموجود ولا معدوم؟ قلنا: لا.
قلنا له: فكيف تثبت في الغائب ما ليس بموجود ولا معدوم؟ - كنا قد أبطلنا قوله.
قول القائل: أنا لا أصفه بالوصفين المتقابلين لأن القابل لذلك لا يكون إلا جسماً
فإذا قال: أنا أصفه لا بهذا ولا بهذا، بل أنفي عنه هذين الوصفين المتقابلين، لأن اتصافه بأحدهما إنما يكون لو كان قابلاً لأحدهما، وهو لا يقبل واحداً منهما، لأنه لو قبل ذلك لكان جسماً، إذ هذه من صفات الأجسام، فإذا قدرنا موجوداً ليس بجسم، لم يقبل لا هذا ولا هذا - قيل له: فهكذا سائر الملاحدة، إذا قالوا: لا نصفه لا بالحياة ولا بالموت، ولا العلم ولا الجهل ولا القدرة ولا العجز،