وأي طريق فرض من الإشارة والعبارة والكتابة وغير ذلك - كان ذلك من جنس السمعيات والنقليات، فإن جماع ذلك ما به يعلم مراد الغير، فإن نفى ناف ذلك بطريق جعله معارضاً له من عقلياته، فلا بد لمن أثبت ما يثبته من السمعيات أن يجيبه بجواب، فما كان جواباً له، كان نظير جواباً لأهل الإثبات فيما علموا أنه مراد للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع.
[الجواب التاسع]
أن يقال: نحن لا نرضى أن نجيبكم بما أجبتم به النفاة.
وذلك أنكم مقصرون في مناظرة النفاة لما أثبتموه عقلاً وسمعاً، فإنكم في كثير من مناظراتكم لهم تصيرون إلى المكابرة ودعوى ما يعلمون هم نقيضها، كما تفعلونه في مسالة الرؤية والكلام وإثبات الصفات بدون إثبات لوازم ذلك، إذ أنتم كثيراً ما تثبتون الشيء بدون لوازمه، أو مع وجود منافيه.
ومن هنا تسلط عليكم القرامطة والفلاسفة والمعتزلة، ونحوهم من النفاة، وكلام أئمتكم معهم كلام قاصر، يظهر قصوره لمن كان خبيراً بالعقليات.
وسبب ذلك تقصيرهم في مناظرتهم، حيث سلموا لهم مقدمات عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة، فاحتاجوا إلى إثبات لوازمها، فاضطروا إما إلى موافقتهم على الباطل، وإما على التناقض الذي يظهر به فساد قولهم، وإما إلى العجز الذي يظهر به قصورهم وانقطاعهم.