مما غايتكم فيه إثبات دوام الحوادث، إذ ليس في حججكم هذه وأمثالها، ما يدل على قدم شيء من العالم: لا السموات التي أخبر الله أنه خلقها والأرض وما بينهما في ستة أيام، ولا غير ذلك.
فيقولون لهم: الحوادث إما أن تكون لها بداية كما قلنا، وإما أنه لا يجب ذلك كما قلتم.
فإن كان الأول بطل قولكم، ولزم أن يكون للحوادث ابتداء، فبطل قولكم بأن حركات الأفلاك أزلية، وهو المطلوب.
وإن كان الثاني، أمكن أ، يكون حدوث الفلك حركاته موقوفاً على حوادث قبل ذلك كالحوادث اليومية، وتلك الحوادث على حوادث أخرى.
وهذا مطابق لما أخبرت به الرسل من أن الله سبحانه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، وكان عرشه على الماء، ومطابق للأخبار المتضمنة أنها خلقها من الدخان والبخار الذي حصل من الماء، وذلك كله أسباب حادثة، ومطابق لما أخبر به الله من أنه خالق كل شيء، وليس في حججكم ما يناقض هذا.
[الوجه الثاني]
أن يقال: دوام فاعلية الرب تعالى ودوام الحوادث، يمكن معه أن تدوم الأفعال التي تقوم بالرب بمشيئته وقدرته، وتحدث شيئاً بعد شيء، وأن تحدث حوادث منفصلة شيئاً بعد شيء.
وعلى كل من التقديرين فلا يكون شيء من العالم قديماً، فلم قلتم: إن الأمر ليس كذلك، وإن كان ما ذكرتموه صحيحاً؟ وإن كان باطلاً فهو أبعد وأبعد.
فإن اعتذروا بأن واجب الوجود لا تقوم به الصفات والأفعال، كان الجواب من وجوه: