للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما لا يمكن وجوده دفعةً من أحواله وشؤونه، ثم الحوادث المنفصلة تابعة لذلك كما قلتم مثل ذلك في الفلك؟

[الوجه الثالث العشرون]

أن يقال: قولكم ليس فيه شوق إلى شيء ولا منافرة لشيء: أتريدون به أنه ليس فيه حب لشيء أصلاً: لا لنفسه ولا لغيره؟ ولا بغض لشيء من الأشياء؟ وسميتم الحب الباعث على الفعل شوقاً؟ أم تريدون به ليس فيه شوق إلى شيء مستغن عنه كما قلتموه في الفلك؟

فإن كان مرادكم الثاني: لم يضر هذا، مع أنكم لم تقيموا على هذا دليلاً.

ولو قيل لكم: بل يجوز أن يكون مشتاقاً إلى غيره، وغيره مشتاق إليه -لم يمكنكم الجواب، لأنكم إن قلتم: إن الفلك ممكن بنفسه، لزم أن يكون الأول فاعلاً له، ولزم أن يكون كالفلك، وهو عندكم لا يفعل ولا يؤثر، وإن كان الفلك واجباً، كان الواجب موصوفاً بالشوق إلى غيره.

وأيضاً فأنتم لم تذكروا دليلاً على ثبوته، فضلاً عن غناه، إذ دليلكم في ثبوته مبني على أن المتحرك بالإرادة لا تكون حركته إلا عن حب لغيره، وهذا لم تقيموا عليه دليلاً، وهو لا يتم حتى يمتنع كون الأول فاعلاً بالإرادة، فإذاً لا يمكنكم ثبوته حتى يمتنع كونه فاعلاً بالإرادة، ولا يمتنع كونه فاعلاًً بالإرادة حتى يعلم ثبوته، فإذاً لا يثبت لا هذا ولا هذا.

وإن كان مرادكم الأول، فيقال لكم: من أين علمتم أنه لا يكون محباً لنفسه ولا لغيره؟

<<  <  ج: ص:  >  >>