المشتاق إليه هو مستلزم لوجود المشتاق، بل الأمر بالعكس فالمشتاق إليه غني عن المشتاق، والمشتاق محتاج إلى المشتاق إليه.
وحينئذ فيكم وجود الأول المشتاق إليه، بدون وجود العالم المشتاق، ثم بعد هذا يوجد العالم المشتاق، ولا يقدح ذلك في كمال المشتاق إليه.
فإن قلتم: فما الموجب لوجود العالم بعد هذا؟
قيل لكم: هو الموجب لوجوده قبل هذا على أصلكم، فإنكم لم تثبتوا للعالم مبدعاً فاعلاً، وحينئذ فلا فرق بين تقدم وجوده وبين تأخره، إلا أن تقولوا، إنه واجب الوجود بنفسه.
وإذا قلتم: إن العالم مع احتياجه إلى المعشوق الغني عنه واجب الوجود بنفسه، كان قولكم أعظم تناقضاً.
[الوجه الثالث]
ونحن نبي ذلك بالوجه الثالث: فنقول: إذا أثبتم للعالم وعلته المعشوقة له، التي يجب التشبه بها، وتتحرك لاستخراج ما فيه من الأيون والأوضاع، لأن ذلك غاية التشبه بها.
فإما أن تقولوا: هذا واجب الوجود بنفسه، أو تقولوا: إن أحدهما ممكن بنفسه، لا يوجد إلا بالواجب بنفسه.
فإن قلتم بالأول، ثبت أن العالم المحتاج إلى محبوبه واجب الوجود بنفسه، مع كونه معلولاً من هذه الجهة، وكونه ذي إرادة وشوق، وكونه يؤثر آثاراً ويفعل أفعالاً بالإرادة.