للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التزموا في إرادة العبد أنها تحدث بلا فاعل، فنفوا السبب الفاعل للإرادة، مع أنهم يثبتون لها العلة الغائية، ويقولون: إنما أراد الإحسان إلى الخلق ونحو ذلك.

والذين قابلوهم من الأشعرية ونحوهم، أثبتوا السبب الفاعل لإرادة العبد، وأثبتوا لله إرادة قديمة تتناول جميع الحوادث، لكن لم يثبتوا لها الحكمة المطلوبة والعاقبة المحمودة، فكان هؤلاء بمنزلة من أثبت العلة الفاعلية دون الغائية، وأولئك بمنزلة من أثبت العلة الغائية دون الفاعلية.

[آراء الفلاسفة]

والمتفلسفة المشاؤون يدعون إثبات العلة الفاعلية والغائية، ويعللون ما في العالم من الحوادث بأسباب وحكم.

وهم عند التحقيق أعظم تناقضاً من أولئك المتكلمين، لا يثبتون لا علة فاعلية ولا غائية، بل حقيقة قولهم: أن الحوادث التي تحدث لا محدث لها، لن العلة التامة القديمة مستلزمة لمعلومها، لا يمكن أن يحدث عنها شيء.

وحقيقة قولهم: أن أفعال الرب تعالى ليس فيها حكمة، ولا عاقبة محمودة، لأنهم ينفون الإرادة، ويقولون: ليس فاعلاً مختاراً، ومن نفى الإرادة كان نفيه للمراد المطلوب بها الذي هو الحكمة الغائية أولى وأخرى، ولهذا كان لهم من الاضطراب والتناقض في هذا الباب أعظم مما لطوائف أهل الملل، كما قد بسط في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا التنبيه على مجامع أقوال الطوائف الكبار، وما فيها من التناقض، وأن من عارض النصوص الإلهية بما يسميه عقليات، إنما يعارضها بمثل هذا الكلام الذي هو نهاية إقدامهم وغاية مرامهم، وهو نهاية عقولهم

<<  <  ج: ص:  >  >>