فكذلك تقديره لأن الشيء: إما محايث، وإما مباين، وإما لا محايث ولا مباين، لا يدل على إمكان كل من الأقسام في الخارج.
[الوجه الثاني]
أن يقال: القوم لا يقولون: إما ساري وإما مباين، ولكن يقولون: إما أن يكون مبايناً له، وإما أن يكون محايثاً له - أي بحيث هو، سواء كان سارياً فيه سريان الصفة في الموصوف، وإما أن يكون جميعاً ساريين في موصوف واحد، كالحياة والقدرة القائمة لموصوف واحد.
وحينئذ فلا يسلم توقف العقل عن نفي القسم الثالث، فإن من يقول: أنا أعلم بالضرورة أن الموجودين: إما أن يكونا متباينين، وإما أن يكونا متحايثين، يجزم بانتفاء موجود لا يكون مبايناً للموجود الآخر ولا محايثاً له.
[الوجه الثالث]
أن يقال: القسم الثالث: إما أن يقول: إنه ممكن إمكاناً ذهنياً أو خارجياً، والإمكان الذهني معناه عدم العلم بالامتناع، والثاني معناه العلم بالإمكان في الخارج.
وهو قد فسر مراده بالأول، وهو عدم العلم حتى يقوم الدليل.
وحينئذ فيقال: مجرد الإمكان الذهني - وهو عدم العلم بالامتناع - لا يدل على الإمكان الخارجي ولا العلم به، وإنما غايته أن يقول: إني لا أعرف إمكانه ولا امتناعه.
والمدعي يقول: أنا أعلم امتناعه بالضرورة، وقد ذكرنا أنهم طوائف متفرقون اتفقوا على ذلك من غير مواطأة، وذلك يقتضي أنهم صادقون فيما يخبرون به عن فطرهم.