وأما أن يريد به ما أحدهما قطعي، فالقطعي هو المقدم مطلقاً، وإذا قدر أن العقلي هو القطعي كان تقديمه لكونه قطعياً، لا لكونه عقلياً.
فعلم أن تقديم العقلي مطلقاً خطأ، كما أن جعل جهة الترجيح كونه عقلياً خطأ.
[الوجه الثاني]
أن يقال: لا نسلم انحصار القسمة فيما ذكرته من الأقسام الأربعة، إذ من الممكن أن يقال: يقدم العقلي تارة والسمعي أخري، فأيهما كان قطعياً قدم، وإن كانا جميعاً قطعيين، فيمتنع التعارض، وإن كانا ظنيين فالراجح هو المقدم.
فدعوى المدعي: أنه لا بد من تقديم العقلي مطلقاً أو السمعي مطلقاً، أو الجمع بين النقيضين، أو رفع النقيضين ـدعوى باطلة، بل هنا قسم ليس من هذه الأقسام، كما ذكرناه، بل هو الحق الذي لا ريب فيه.
[الوجه الثالث. نفي قاعدة أن العقل أصل النقل]
الوجه الثالث.
نفي قاعدة أن العقل أصل النقل
قوله: إن قدمنا النقل كان ذلك طعناً في أصله الذي هو العقل، فيكون طعناً فيه غير مسلم.
وذلك لأن قوله: إن العقل أصل للنقل إما أن يريد به: أنه أصل في ثبوته في نفس الأمر.
أو أصل في عملنا بصحته.
والأول لا يقوله عاقل، فإن ما هو ثابت في نفس الأمر بالسمع أو بغيره هو ثابت، سواء علمنا بالعقل او بغير العقل ثبوته، أو لم نعلم ثبوته لا بعقل ولا بغيره، إذ عدم العلم ليس علماً بالعدم، وعدم علمنا بالحقائق لا ينفي ثبوتها في أنفسنا،