قلت لك: معلوم أن قولك: إن نفس علم الخالق هو نفس المخلوق، أشد امتناعاً في العقل من هذا، فعجل العلم بأن سيكون هو العلم بأن قد كان، إن كان باطلاً، فهو أقرب إلى العقل من جعل العلم نفس المخلوق.
وإذا كان أقرب إلى العقل، كان التزامه -إن كان تجدد العلم محذوراً- أولى من التزام ذاك، وإن لم يكن محذوراً، التزم ذاك.
[الوجه السابع عشر]
أن يقال: لم قلت إن استئناف علم يحل ذات الأول بعد وجود المخلوق محال؟.
وقولك: إنه يتعالى عن ذلك، فلا ريب أنه يتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
ومنازعك يقول: إنك أنت الظالم المفتري على الله، الذي سلبته صفات الكمال، ووصفته بصفة الجهل، وقلت فيه المحال، وألحدت في أسمائه وآياته إلحاد طائفتك الضلال.
وأما أهل الإثبات فوصفوه بصفات الكمال، ووافقوا صريح المنقول عن الأنبياء والمرسلين، وما فطر الله عليه عباده أجمعين، وما دلت عليه صرائح عقول الآدميين، ووصفوا ربهم بأنه يسمع كلامهم، ويرى أعيانهم، ويسمع سرهم ونجواهم.
وأنت وصفت رب العالمين بنقيض ذلك، ولم تجعل له علماً سوى المخلوقات.
والمخلوقات ليست علماً باتفاق أهل الفطر السليمات، فتعالى الملك الحق عن قولك، وقول أمثالك المفترين الملحدين، أعداء الأنبياء، شياطين الإنس، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.