العالمة، فإن كل عاقل لفعل محكم عالم به، وليس كل علام به فاعلاً له.
وهؤلاء، وإن كانوا قد قالوا في فعله أقوالاً باطلة، لظنهم أنه لا يصدر عنه ابتداءً إلا واحد بشرط، فقد لزمهم أن يجعلوا كل شيء مفعول له بوسط أو بغير وسط، فكان الواجب أن يقولوا: إنه علام بكل شيء جرى، كما هو فاعل لكل شيء جرى، إذ الكليات لا توجد في الأعيان إلا جزئية معينة.
[الوجه الرابع عشر]
قوله: بل واجب الوجود إنما يعقل كل شيء على نحو كلي، ومع ذلك فلا يعزب عنه شيء شخصي، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض، وهذا من العجائب.
فيقال: إن عنيت أنه لا يعزب عنه من حيث هو كلي، فهل في هذا ما يقتضي أنه يعلم شيئاً من الجزئيات؟ فإن العلم بالكلي من حيث هو كلي، لا يوجب علماً بشيء من المعينات الموجودة، فمن علم أن كل إنسان حيوان، لم يوجب ذلك أن يعلم إنساناً بعينه، ولا شيئاً من تعيناته، ولا عدد الأناسي، بل ولا يعلم حيواناً بعينه.
وإن عنيت أنه لا يعزب عنه شيء من المعينات، فهذا مع قولك: إنما يعقلها على وجه كلي، باطل.