وجمهور المسلمين وغيرهم على أن المخلوق ليس هو الخلق، بل الخلق قائم بذات الله فتكون السموات والأرض وما بينهما محدثة بحوادث قبلها، والحوادث محدثة بما يقوم بذات الله من مقدوراته ومراداته سبحانه وتعالى.
[الوجه الثالث]
أن يقال: إما أن تقولوا بأن كل ما صدر عن الواجب بذاته لازم لذاته، أو لازم للازم بذاته، أو منه ما ليس بلازم بذاته.
فإن قلتم بالأول كان مكابرة للحس.
ولم يقل بذلك أحد من الناس، وهو الذي أنكره المعارضون لهم، وجعلوه لازم حجتهم.
وإن قالوا: إن منه ما ليس بلازم لواجب الوجود، ولا لازم للازمه، بل هو متأخر عنه.
فيقال: فالسموات والأرض وما بينهما، الذي أخبرت به الرسل عن الله، أنه خلق ذلك في ستة أيام: لم لا يجوز أن تكون من الحوادث المتأخرة كغير ذلك من الحوادث؟
[الوجه الرابع]
أن يقال: إذا كان العالم صادراً عن علة مستلزمة له، لا يتأخر عنها موجبها، لزم ألا يكون لشيء من الحوادث فاعل، لأن العلة التامة لا يتأخر عنها شيء من معلولها، فلا يكون شيء من الحوادث معلولاً لها، ولا لشيء من معلولاتها.
فلزم أن تكون الحوادث لا فاعل لها، أو يكون فاعلها ليس هو، بل يكون فاعل كل محدث محدثاً، وهلم جراً، ويلزم تسلسل الفاعلين.
وهذا مع اتفاق العقلاء على فساده، ففساده معلوم بالضرورة من وجوه كثيرة، كما بين في غير هذا الموضع.