وإذا قسم إلى ما يكون فاعلاً بالإرادة، وما يفعل إرادة، وما لا يفعل لا بهذا ولا بهذا، كان ما يفعل بالإرادة أكمل مما يفعل بدون إرادة، وما يفعل بدون إرادة أكمل ممن لا فعل له، وأنتم جعلتموه لا يفعل لا بإرادة ولا بدون إرادة.
[الوجه الثالث عشر]
قولكم: فإذن لا يؤثر هذه العلة أثراً، ولا يفعل فعلاً منقلباً عن إرادتها وقصدها، ولا دون إرادتها، إذ ليس في هذه الذات نقص يحتاج فيه إلى تمام من خارج، ولا فوق جوهرها أمر يقتبس منه ازدياداً في شيء من حاله إلى آخره.
فيقال لكم: إذا قدر ذات لها فعل وتأثير بالإرادة، وذات ليس لها فعل ولا تأثير، لا بإرادة ولا بدونها، شهد صريح العقل بأن الأول أكمل.
ولهذا كان الحيوان أكمل من الجماد.
وقلتم أنتم: إن حركة الفلك إرادية، وإن ذلك أكمل من أن تكون حركته غير إرادية.
وإذا قدر مع هذا أن المتحرك بالإرادة محتاج إلى تمام من خارج، وهو متحرك لطلب ذلك التمام، فهو أكمل من الذي لا يقبل التمام كالجماد، فإذا كان الأول عندكم لا شعور له ولا إرادة ولا فعل بالإرادة ولا يمكن أن يكون له شيء من ذلك، كان المتحرك بالإرادة لطلب تمامه أكمل من هذا الناقص المسلوب صفات الكمال، الذي لا يمكن اتصافه به، فالعميان والعرجان والصم والبكم العمي أكمل من هذا الأول الذي فرضتموه، والفلك أكمل منه بكثير، وفيما ذكرتموه من التناقض وغاية الفساد، ما لا يحصيه إلا رب العباد.