والقول الثاني: قول من يقول: إنه يفعل أفعالاً قائمة بنفسه باختياره ومشيئته، كما وصف نفسه في القرآن بالاستواء إلى السماء وعلى العرش، وبالإتيان والمجيء، وطي السماوات بيمينه، وغير ذلك، مما هو قول أئمة أهل الحديث، وكثير من أهل الكلام، ومن وافقهم من أصحاب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فهؤلاء يقولون: إن ما يحصل من الترجيح لبعض الأحياز على بعض بأفعاله القائمة بنفسه هو بمشيئته وقدرته.
فحصل الجواب عن هذا على قول الطائفتين جميعاً.
[الوجه الخامس]
أن يقال: الحيز، إما أن يقال: إنه موجود، وإما أن لا يقال: إنه معدوم.
فإن قيل: هو معدوم، لم يلزم أن يكون مع الله في الأزل شيء موجود.
وإن قيل: هو موجود، فإما أن يكون وجوده في الأزل ممتنعاً، وإما أن يكون ممكناً، فإن كان ممتنعاً تعين القسم الأول، وهو أن الأحياز متماثلة في تمام الماهية، فإن العدم المحض لا يتميز فيه شيء عن شيء، وحينئذ في فالتخصيص المفتقر إلى المرجح يحصل: إما بقدرته ومشيئته، على قول المسلمين وجمهور الخلق، وإما بالذات، عند من يجوز نظير ذلك، وإن كان وجوده في الأزل ممكناً، فلا محذور فيه، فبطا انتفاء اللازم.
[الوجه السادس]
أن يقال: التقسيم المذكور غير حاصر، وذلك لأن الأحياز: إما أن تكون متماثلة، وإما أن تكون مختلفة، وعلى التقديرين: فإما أن تكون متناهية، وإما أن تكون غير متناهية فإن كان