قال أبو الحسين البصري: فإذا ثبت حدوث العالم فالدلالة على أن له محدثاً هي أنه لا يخلو أن يكون حدث وكان يجوز أن لا يحدث، أو كان يجب أن يحدث.
فلو حدث مع وجوب أن يحدث، لم يكن بأن يحدث في تلك الحال أولى من أن يحدث من قبل، فلا يستقر حدوثه على حال، إذا كان حدوثه واجباً في نفسه، وإن حدث مع جواز ألا يحدث لم يكن بالحدوث أولى من أن لا يحدث، لولا شيء اقتضى حدوثه، ويستدل على أنه عالم قادر، فصح قولنا.
قال: واستدل شيوخنا على أن الأجسام تحتاج إلى محدث، بأن تصرفنا يحتاج إلى محدث لأجل أنه محدث، فحدوث كل محدث يحوجه إلى محدث، فإذا كانت الأجسام محدثة احتاجت إلى محدث، والدلالة على حاجة تصرفنا إلى محدث هو أنه لو حدث بنفسه من غير محدث لحدث ٠ وإن كرهناه، أو كنا ممنوعين منه، فلما وقع بحسب قصدنا، وانتفى بحسب كراهتنا، علمنا أنه محتاج إلينا ٠
قال: والدليل على أنه يحتاج إلينا لأجل حدوثه، أنه إما أن يحتاج إلينا لحدوثه أو لبقائه، أو لعدمه احتاج إلينا لبقائه لوجب ألا يبقى البناء إذا مات الباني ٠ ولا يجوز أن يحتاج إلينا لعدمه، لأن تصرفنا كان معدوماً قبل وجودنا وقبل كوننا قادرين ٠ فصح أنه يحتاج إلينا ليحدث، ولإن حدوثه هو المتجدد بحسب قصدنا وإرادتنا، وهو الذي لا يتجدد إذا كرهناه ٠ فعلمنا أنه يحتاج إلينا لأجل حدوثه.
[تعليق ابن تيمية]
قلت: فهذا أصل أصول القوم الذي بنوا عليه دينهم الصحيح والفاسد فإن الإقرار بوجود الصانع تعالى، وأنه حي عالم قادر، ونبوة