وكثير من الناس يتناقض في هذا الأصل، فإذا ابنينا على القول الصحيح فلا كلام وإن أردنا أن نذكر ما يعم القولين قلنا:
[الخامس]
أن الممكن لا يتحقق وجوده بمجرد ممكن آخر لم يتحقق وجوده، بل لا يتحقق وجوده إلا بما يحقق وجوده.
وحينئذ فإذا قدرنا الجميع ممكنات ليس فيها ما تحقق وجوده، لم يحصل شرط وجود شيء من الممكنات فلا يوجد شيء منها لأن كل ممكن إذا أخذته مفتقراً إلى فاعل يوجده، فهو في هذه الحال لم يتحقق وجوده بعده فإنه ما دام مفتقراً إلى أن يصير موجوداً فليس بموجود فإنه موجوداً ينافي كونه مفتقراً إلى أن يصير موجوداً، فلا يكون فيها موجود، فلا يكون فيها ما يحصل به شرط وجود الممكن، فضلاً عن أن يكون فيها ما يكون مبدعاً لممكن أو فاعلاً له فلا يوجد ممكن وقد وجدت الممكنات، فتسلسل الممكنات بكون كل منها مؤثراً في الآخر ممتنع وهو المطلوب.
واعلم أن تسلسل المؤثرات لما كان ممتنعاً ظاهر الامتناع في فطر جميع العقلاء لم يكن متقدمو النظار يطيلون في تقريره لكن المتأخرون أخذو يقرورنه وكان أسباب ذلك اشباه التسلسل في الآثار التي هي الفعال بالتسلسل في المؤثرين الذين هم الفاعلون، فإن جهم بن صفوان وأبا الهذيل العلاف ومن اتبعهما من اهل الكلام المحدث الذي ذمه السلف والأئمة وسلكه من سلكه من المعتزلة والكلابية والكرامية وغيرهم، اعتقدوا بطلان هذا كله.
وعن هذا امتنعوا أن يقولوا: إن الرب لم يزل متكلماً إذا شاء ثم اختلفوا: هل كلامه مخلوق أو حادث النوع