للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالكمالات، خيراً منكم، فمن وصفه بالعمى والصمم والعور، مع إمكان زول هذه النقائص عنه - كان خيراً منكم.

وهم يشنعون بما يحكى عن بعض ضلال اليهود والنصارى من أن الله ندم على الطوفان حتى عض على إصبعه وجرى الدم، وبكى على الطوفان حتى رمد، وعادته الملائكة، وآلى على نفسه أنه لا يغرق بنيه، وأن بعض بني إسرائيل وجده ينوح على خراب بيت المقدس، وفي بعض كتب النصارى أنه ينام.

ومن قال إن بشراً - كمسيح الهدى ومسيح الضلالة - أنه الله، مع كونه يأكل ويشرب وأنه أعور.

وأمثال هؤلاء الذين يصفونه بهذه النقائص - مع إمكان اتصافه بالكمال - هم خير ممن يقول: لا يمكن اتصافه بصفات الكمال بحال.

بل من جعل يأكل ويشرب فهو خير ممن يقول: لا يمكن أن يكون حياً ولا عالماً ولا قادراً، فإن الحي الذي يأكل ويشرب، خير من الجماد الذي لا يعلم ولا يتكلم، ولا يسمع ولا يبصر.

علم أن من نفى عنه صفات الكمال كان شراً من جميع هذه الطوائف، فإنهم جعلوه كالمعدوم أو الجماد، وهؤلاء شبهوه بالحيوان الذي فيه صفة كمال مع نوع من النقص، فكان تعطيل الأول له من صفات الكمال، وتمثيله له بالمعدومات والجمادات، شراً من تعطيل هذا له عن بعض صفات الكمال مع إثباته لكثير من صفات الكمال، وكان تشبيهه له بالحيوان أمثل من تشبيه ذاك له بالجماد والمعدوم.

وهكذا من قيل له: هو واجب، فإنه إن لم يكن واجباً كان ممكناً، وهو قديم فإنه إن لم يكن قديماً كان محدثاً، وهو خالق فإن القائم بنفسه إن لم يكن خالقاً كان مخلوقاً، وهو مباين للعالم خارج عنه، فإنه إن لم يكن مبايناً له خارجاً عنه، كان داخلاً فيه محصوراً محوزاً.

[كلام الإمام أحمد في الرد على الجهمية والزنادقة في إثبات علو الله واستوائه]

وممن ذكر ذلك الإمام أحمد فيما خرجه في (الرد على الزنادقة والجهمية) قال: (بيان ما أنكرت الجهمية الضلال أن يكون الله

<<  <  ج: ص:  >  >>