مواضع أن كثيراً من العلوم تكون ضرورية فطرية فإذا طلب المستدل أن يستدل عليها خفيت ورقع فيها شك، إما لما في ذلك من تطويل المقدمات وإما لما في ذلك من خفائها، وإما لما في ذلك من كلا الأمرين.
والمستدل قد يعجز عن نظم دليل على ذلك، إما لعجزه عن تصوره وإما لعجزه عن التعبير عنه فإنه ليس كل ما تصوره الإنسان أمكن كل أحد أن يعبر عنه باللسان وقد يعجز المستمع عن فهمه ذلك الدليل وإن أمكن نظم الدليل وفهمه ففد يحصل العجز عن إزالة الشبهات المعارضة إما من هذا وإما من هذا وإما منهما.
[كلام لابن تيمية في مبحث التصورات]
وهذا يقع في التصورات أكثر مما يقع في التصديقات، فكثير من الأمور المعروفة إذا حدث بحدود تميز بينها وبين المحدودات زادت خفاء بعد الوضوح لكونها أظهر عند العقل بدون ذلك الحد منها بذلك الحد.
[حقيقة الحدود]
ولكن قد يكون في الأدلة والحدود من المنفعة ما قد نبه عليه غير مرة، ولهذا تنوعت طرق الناس في الحدود والأدلة، وتجد كثيراً من الناس يقدح في حدود غيره وأدلته، ثم يذكر هو حدوداً وأدلة يرد عليها إيرادات من جنس ما يرد على تلك أو من جنس آخر، وذلك لأن المقصود بالحدود: إن كان التمييز بين المحدود وبين غيره، كانت الحدود الجامعة المانعة على أي صورة كانت مشتركة في حصول التمييز بها، وإن لم تكن جامعة مانعة كانت مشتركة في عدم حصول التمييز، وإن كان المطلوب بها تعريف المحدود فهذا لا يحصل بها مطلقاً، ولا يمتنع بها