فإن قلت: مقصودي أنه لم يزل فاعلاً وقد حصل، قيل: لا يلزم أن يكون فاعلاً لمعقول معين.
بل ولا يلزم أن يكون هو الفاعل على قولك.
فإنك تجوز حدوث جميع الحوادث من غير أمر يحدث فيه ومنه، وعندك يحدث الحادث المخالف لما قبله كالطوفان وغيره، من غير أن يحدث منه ما لم يكن حدث قبل ذلك، فأنت تجوز حدوث جميع الحوادث من غير أن يحدث منه شيء يخص حادثاً من الحوادث.
[الوجه السادس]
أن يقال: قولك: لو حصل منه شيء بعد أن لم يكن لتغيرت ذاته، وتسلسل الحوادث فيها إلى غير نهاية وهو محال، ففعله دائم.
جوابه أن يقال: حصول الحوادث المنفصلة عنه إما أن يقف على حدوث شيء في ذاته، وإما أن لا يقف.
فإن لم يقف بطل قولك: لو حصل شيء بعد أن لم يحصل لتغيرت ذاته، وتسلسلت فيها الحوادث.
فإنك تجوز أن تحدث عنه جميع الحوادث من غير حدوث شيء في ذاته، فلا يكون حدوث الحوادث مستلزماً لحدوث شيء في ذاته.
وإن كان حدوث الحوادث المنفصلة متوقفاً على حدوث شيء في ذاته، لم يكن في ذلك بمحذور، فإن حدوث الحوادث مشهودة، وأنت لم تذكر حجة على امتناع هذا المعنى، ولكن أحدث امتناعه مسلماً.
وتسميتك لذلك تغيراً ليس بحجة عقلية، فإن لفظ التغير مشترك، وهنا لا يراد به الاستحالة، بل يراد به نفس الفعل أو التحول أو ما يشبه ذلك، وأنت لا دليل لك على انتفاء ذلك، بل أنت تجوز على القديم أن يكون متغيراً بهذا الاعتبار، وتجوز على القديم أن يكون محلاً للحوادث.