المذهبين، وذلك أن الفاعل قد يصدر منه مفعول يتعلق به فعله في حال كونه، وقد يصدر عنه فعل يتعلق بمفعول، لا وجود لذلك المفعول إلا بتعلق الفعل به، وهذا الفاعل يخصه إن فعله مساوق لوجود ذلك المفعول، وهذه حال المحرك مع الحركة، والأشياء التي وجودها إنما هو في الحركة.
فيقال لك: ليس فيما نشاهده شيء من هذا الصنف الثاني، وإنما الفاعل المشاهد هو من النمط الأول.
وإن قلت: إن النفس تحرك البدن بهذا الاعتبار.
فيقال لك: كون النفس وحدها هي المحركة للبدن، دون أن يكون هناك سبب للحركة، أمر لو كان حقاً لم يكن من المشاهدات.
وأيضاً فالنفس لا يقول عاقل: إنها هي الفاعلة للبدن.
وأيضاً فكل من النفس البدن شرط في حركة الآخر.
[الوجه الحامس]
أن يقال: نحن نسلم أن الفاعل، الذي نفتقر إليه المفعول دائماً، أكمل ممن لا يفتقر إليه إلا حال حدوثه.
لكن إذا قيل: إن المخلوقات مفتقرة إلى الخالق دائماً، كان هذا قولاً صحيحاً، وليس هذا نظير ما ذكرته من الصنفين.
بل لو قيل: إنه يفعل تأليف العالم دائماً، وأن تأليفه لا يقوم إلا به، كان هذا خيراً من قول سلفك: إنه يفعل حركة العالم دائماً، لو كانوا قائلين بذلك.