بجميع أجزائه قديماً ملازماً للذات المجردة، وهو خلاف الحس والمشاهدة.
وأيضاً فيقال له: فعل الأول إما أن يقف على داع، وإما أن لا يقف على داع.
فإن وقف على داع، قيل لك: ما الداعي الموجب لإبداعه للعالم على ما هو عليه من الأمور المختلفة والحادثة؟ وإن لم يقف على داع جاز أن يحدث ما حدث بلا داع، ولم يجب أن يكون لفعله علة.
قال ثابت: ويلزم أهل هذا الرأي أن يكون في المبدأ الأقصى الذي عنده يتناهى الأبد في ابتداء كل فعل ما هو بالقوة، وما بالقوة ليس يخرجه ما هو له بالقوة بغير علة داخلة عليه من خارج يصير معلولاً لها في تلك الجهة، لأنه إن كان ليس لإخراج ما هو له بالقوة إلى الفعل سبب غير ذاته، فيجب أن يكون وجوب ذلك الأمر بالفعل مع وجود تلك الذات المخرجة له، وذلك الشيء غير متأخر عن وجودها، وإن كان له سبب غير ذاته، فإذن تكون العلة الأولى والمبدأ الأول ليس بمبدأ أول على الحقيقة، لأنه يحتاج حينئذ إن كانت تلك حاله إلى مبدأ آخر.
وأيضاً فيلزم جوهر العلة الأولى، وإن كان لها ما هو بالقوة حيناً لم يخرج إلى الفعل حيناً تغير.
وهذا أمر قد أضرب عنه سائر القدماء، فينبغي أن يسلم لأرسطو طاليس أن العلة الأولى على غاية ما يمكن من التمام والكمال.
وكما أنه ليس يمكن منه في مادة من المواد أن تؤخرها الطبيعة لحظة من غير أن يعمل منها أجود ما ينعمل من مثلها، ما لم يعتور ذلك شيء من خارج، كذلك يرى أرسطو طاليس أن الأمر واجب في جملة أمر العالم، أي في وجود جملته، إذ كان إمكانه لم يزل، والإمكان له بمنزلة المادة.