ولفظ الإحصاء لا يفرق بين هذا وبين هذا، فإن كان الإحصاء يتناول ما لا يتناهى جملة فلا حجة في الآية، وإن قيل: بل أحصي المستقبل، تقديره: جملة بعد جملة، لم يكن في الآية حجة، فإنه يمكن أن يقال في الماضي كذلك.
ومسألة تناول العلم لما لا يتناهى مسألة مشكلة علي القولين، ليس الغرض هنا إنهاء القول فيها، بل المقصود أن مثل هذه الآية لم يرد الله بها إبطال دوام كونه لم يزل متكلماً
[المعاني المختلفة لحدوث العالم عند النظار]
ومما يشبه هذا إذا قيل: العالم حادث أم ليس بحادث؟ والمراد بالعالم في الاصطلاح هو كل ما سوى الله، فإن هذه العبارة لها معني في الظاهر المعروف عند عامة الناس أهل الملل وغيرهم، ولها معني في عرف المتكلمين، وقد أحدث الملاحدة لها معني ثالثاً.
[المعني الأول]
فالذي يفهمه الناس من هذا الكلام أن كل ما سوى الله مخلوق، حادث، كائن بعد أن لم يكن، وأن الله وحده هو القديم الأزلي، ليس معه شيء قديم تقدمه، بل كل ما سواه كائن بعد أن لم يكن، فهو المختص بالقدم، كما اختص بالخلق والإبداع والإلهية والربوبية، وكل ما سواه محدث مخلوق مربوب عبد له.
وهذا العني هو المعروف عن الأنبياء وأتباع من المسلمين واليهود والنصارى، وهو مذهب أكثر الناس غير أهل الملل من الفلاسفة وغيرهم.
[المعنى الثاني]
والمعني الثاني أن يقال: لم يزل الله لا يفعل شيئاً ولا يتكلم بمشيئته، ثم حدثت الحوادث من غير سبب يقتضي ذلك، مثل أن يقال: إن كونه لم يزل متكلماً بمشيئته أو فاعلاً بمشيئته، بل لم يزل قادراً، هو ممتنع، وإنه يمتنع وجود حوادث لا أول لها، فهذا المعني هو الذي يعنيه أهل الكلام من الجهمية