ويقال لهم: مقصودكم الأول نصر الإسلام والرد على مخالفيه، وليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله، ولا عن أحد من السابقين الأولين، والتابعين لهم بإحسان، هذا القول الذي أحدثتموه وجعلتموه أصل دين المسلمين.
ليس فيه أن الرب لم يزل لا يفعل شيئا
، ولا يتكلم بشيء، ولا يمكنه ذلك، ثم إنه بعد تقدير أزمنة لا نهاية لها فعل وتكلم وإنه
صار ممكناً من الفعل والكلام بعد أن لم يكن متمكناً، بل القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين يناقض ما ذكرتموه، فكان ما ابتدعتموه من الكلام الذي ادعيتم أنه أصل الدين مخالفاً للسمع والعقل، ثم إنه صار من تقلدكم ينقل عن المسلمين واليهود والنصارى أن هذا قولهم.
ولا يعرف هذا القول عن أحد من الأنبياء ولا أصحابهم، بل المعروف عنهم يناقض ذلك، ولكن الثابت عند الأنبياء أن كل ما سوى الله مخلوق حادث بعد أن لم يكن، خلاف قول الفلاسفة الذين يقولون: إن الأفلاك، أو العقول، أو النفوس أو شيئاً غير ذلك مما سوى الله، قديم أزلي، لم يزل ولا يزل.
ويقال: قول القائل: الفاعل هو المحصل للشيء عن عدم، أتريد به الفاعل للشيء المشار إليه أنه لا يكون فاعلاً له إلا إذا حصله عن عدم؟ أم تريد به أنه لا يكون الفاعل في نفسه فاعلاً لشيء حتى تكون فاعليته ممتنعة، ثم صارت ممكنة؟
أما الأول فمسلم.
والثاني ممنوع.
وسبب ذلك الفرق بين الفعل ونوعه.
فإذا لم يعقل فاعل لمعنى إلا بعد عدمه، لم يلزم ألا يعقل كون الفاعل فاعلاً إلا بعد أن لم يكن فاعلاً، بل العقل لا يعقل حدوث فاعلية بلا سبب.